أما عمل الجوارح فهذا من تركه بالكلية -أي: إنسان ترك عمل الجوارح كله, فلا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج، ولا أي عمل من أعمال الجوارح، لم يعمل بشيء منها, ويقول أشهد أن لا إله الله- فهذا لا من المسلمين ولا يعد من المؤمنين؛ لأنا قد بينا أن تارك الصلاة كافر، فكيف من ترك كل أعمال الإيمان بالجوارح -نسأل الله العفو والعافية-.
فهذا أيضاً وإن ادعى وإن قال وزعم بلسانه أنه مسلم, وإن كان اسمه في الهوية مسلماً, وأمه فلانة مسلمة, وأبوه فلان من أسماء المسلمين؛ فلا ينفعه ذلك, ولا يعد مسلماً إلا بأن يؤدي الصلاة ويؤدي أعمال الجوارح الأخرى, ولكن لو نقصت بعض أعمال الجوارح، أو بعض الواجبات -التي لا يكفر تاركها- فإنه لا يخرج صاحبها من الإيمان.
فشهادة أن لا إله إلا الله، إقرارها باللسان لا يتفاوت الناس فيه، فيجب أن يقولها بلسانه، وأيضاً التصديق بها بالقلب لا بد من حصوله، لكن الأعمال يتفاوت الناس فيها, ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الإيمان بضع وستون -وفي رواية بضع وسبعون شعبة فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان} فهذه الشعب يتفاوت الناس فيها, فواحدٌ يعمل ثلاثين شعبة, وآخر أربعين, وبعضهم يستكمل الشعب.. وهكذا.
فهذه الأعمال تتفاوت؛ لكن من ترك الشعب كلها؛ فليس بمسلم.
فالناس يتفاوتون ويختلفون في الشعب, فبعضهم أكثر من بعض.
وكذلك في أعمال القلب الباطنة وشعب الإيمان الباطنة، مثل ما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث الحياء، ومثل اليقين, فاليقين يتفاوت الناس فيه، والإخلاص، والصدق، والإخبات، والإنابة, والرجاء، والخوف، والرغبة، والرهبة، والتوكل، والصبر.